الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.مقتل قشتمر المنصوري بحلب في واقعة العرب. كان جماز بن مهنا أمير العرب من آل فضل قد انتقض وولى السلطان مكانه ابن عمه نزال بن موسى بن عيسى واستمرجماز على خلافة ووطىء بلاد حلب أيام المصيف واجتمع إليه بنو كلاب وامتدت أيديهم على السابلة فخرج إليهم نائب حلب قشتمر المنصوري عساكره فأغار على أحيائه واستاق نعمهم ومواشيهم وشره إلى اصطلامهم فتذامروا دون احيائهم وكانت بينه وبينهم جولة أجلت عن قشتمر المنصوري وابنه محمد قتيلين ويقال قتلهما يعبر بن جماز ورجعت عساكر الترك منهزمين إلى حلب وذهب جماز إلى القفر ناجيا به وولى السلطان على العرب معيقيل بن فضل ثم استأ من له جماز بن مهنا وعاود الطاعة فأعاده السلطان إلى امارته والله تعالى أعلم..استبداد الجائي اليوسفي ثم انتقاضه ومقتله. لما أذهب السلطان الأشرف أثر الاجلاب من دولته وقام بعض الشيء بأمره فاستدعى سنكلي بغا من حلب وجعله أتابكا وأمير على المارداني من دمشق وجعله نائبا وولى الجائي اليوسفي أمير سلاح وولى اصبغا عبد الله دوادار بعد أن كان الاجلاب ولوا في الدوادارية منهم واحد بعد واحد ثم سخطه وولى مكانه اقطمر الصباحي وعمر سائر الخطط السلطانية بمن وقع عليه اختياره ورقى مولاه أرغون شاه في المراتب من واحدة إلى أخرى إلى أن أربى به على الأتابكية كما يأتي وولى بهادر الجمالي أستاذ دار ثم أمير الماخورية تردد بينهما ثم استقر آخرا في الماخورية وولى محمد بن اسقلاص أستاذ دار وولى بيبقا الناصري الحجابة بعد وظائف أخرى نقله منها وزوج أمه الجائي اليوسفي فعلت رتبته بذلك في الدولة واستغلظ أمره وأغلظ له الدوادار يوما في القول فنفي وولى مكانه منكوتمر عبد الغني ثم عزل سنة اثنتين وسبعين لسنة من ولايته وولى السلطان مكانه طشتمر العلائي الذي كان دوادارا لبيبقا واستقرت الدولة على هذا النمط والجائي اليوسفي مستبد فيها ووصل قود منجك من الشام سنة أربع وسبعين بمالا يعبر عنه اشتمل على الخيل والبخاتي المجللة والجمال والهجن والقماش والحلاوات والحلي والطرف والمواعين حتى كان فيها من الكلاب الصائده والسباع والإبل ما لم ير مثله في أصنافه ثم وصل قودقشتمر المارداني من حلب على نسبة ذلك والله تعالى أعلم..انتقاض الجائي اليوسفي ومهلكه واستبداد الأشرف بملكه من بعده. لم تزل الدولة مستقرة على ما وصفناه إلى أن هلك الأمير منكلي بغا الأتابك منتصف سنة أربع وسبعين واستضاف الجائي اليوسفي الأتابكيه إلى ما كان بيده ورتبته أشد من ذلك كله وهو القائم المستبد بها ثم توفيت أم السلطان وهي في عصمته فاستحق منها ميراثا دعاه لؤم الأخلاق فيه إلى المماحكة في المخلف وتجافى السلطان له عن ذلك إلا أنه كان ضيق الصدر شرس الأخلاق فكان يغلظ القول بما يخشن الصدور فأظلم الجو بينه وبين السلطان وتمكنت فيه السعاية وذكرت هذه انتقاضه الأول وذلك أنه كان سخط في بعض النزعات على بعض العوام من البلد فأمر بالركوب إلى العامة وقتلهم فقتل منهم كثير ونمي الخبر إلى السلطان على ألسنة أهل البصائر من دولته وعذلوه عنده فاستشاط السلطان وزجره وأغلظ له فغضب وركب إلى قبة النصر منتقضا وذهب السلطان في مداراة آمره إلى الملاطفة واللين وكان الأتابك منكلي بغا يوم ذاك حيا فأوغر السلطان إليه فرجع وخلع عليه وأعاده إلى أحسن ما كان فلما بدرت هذه الثانية حذر السلطان بطانته من شأنه وخرج هو منتقضا وركب في مماليكه بساحة القلعة وجلس السلطان وترددت الرسل بينهما بالملاطفة فأصر واستكبر ثم أذن السلطان لمماليكه في قتاله وكان أكثرهم من الإجلاب مماليك بيبقا وقد جمعهم السلطان واستخدمهم في جملة ابنه أمير علي ولى عهده فقاتلوه في محرم سنة خمس وتسعين وكان موقفه في ذلك المعترك إلى حائط الميدان المتصل بالأساطيل فنفذت له المقاتلة من داخل الأساطيل ونضحوه بالسهام فتنحا عن الحائط حتى إذا حل مركزه ركبوا خيولهم وخرجوا من باب الأساطيل وصدقوا عليه الحملة فانهزم إلى بركة الحبش ورجع من وراء الجبل إلى قبة النصر فأقام بها ثلاثا والسلطان يراوضه وهو يشتط وشيعه يتسللون عنه ثم بعث إليه السلطان لمة من العسكر ففر أمامهم إلى قليوب واتبعوه فخاض البحر وكان آخر العهد به ثم أخرج شلوه ودفن وأسف السلطان لمهلكه ونقل أولاده إلى قصره ورتب لهم ولحاشيتهم الأرزاق في ديوانه وقبض على من اتهمه بمداخلته وأرباب وظائفه فصودروا كلهم وعزلوا وغربوا إلى الشام واستبد السلطان بأمره واستدعى ايدمر القرى الدوادار وكان نائبا بطرابلس فولاه أتابكا مكان الجائي ورفع رتبته وولى أرغون شاه وجعله أمير مجلس وولى سرغتمش من مواليه أمير سلاح واختص بالسلطان طشتمر الدوادار وناصر الدين محمد بن اسقلاص أستاذ دار فكانت أمور الدولة منقسمة بينهما وتصاريفها تجري بساستهما إلى أن كان ما نذكره والله تعالى ولى التوفيق.
|